الإنتقائية والنفاق!

 دعوة لمراجعة أنفسنا، وفي موضوع تعدى مرحلة الخطر، لأنه من علامات النفاق والكُفر كما وصفه الله تعالى في كتابه. فماهو؟

نستفتح بآية {أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ}[البقرة: ٨٥] ثم؟ {فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ}[البقرة:٨٥]

والله يدعونا للاعتبار والتفكر، كل القصص والأمثال ما قيلت حتى نمر عليها مرور الكرام!

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف:١١]

الله ضرب في هذا القرآن من كل مثل، والبشر هم البشر، أكثر القرآن يتحدث عن بني اسرائيل، لماذا؟ حتى نقول كانوا قتلة الأنبياء الفاسقين الكفرة وانتهى؟ كلا، المطلوب منّا أن نعلم لماذا كانوا فاسقين؟في ماذا  ذمهم الله؟ ما أفعالهم التي جعلتهم مجرمين؟ ثم نتجنبها، لأنهم لم يولدوا وهم يحملون هذه الصفات! فمن بني اسرائيل الأنبياء والصالحون ، ونحن أيضاً لم نولد معصومين ! بل باختصار شديد {قَد أَفلَحَ مَن زَكّاها ۝ وَقَد خابَ مَن دَسّاها}[الشمس: ٩-١٠]

سورة كاملة اسمها "المنافقون" من أولها لأخرها تتحدث عن المنافقين إلّا أخر الآيات كانت تحذيراً للمؤمنين!تحذيراً لهم من شُعب النفاق وأن يتلبسوا بصفات المنافقين!

هل حقاً يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً وفيه من صفات النفاق؟ نعم.

فالنفاق نوعين: الأول إبطان الكفر وإظهار الإسلام، والثاني هو التحلي بصفات المنافقين كحديث النبي ﷺ : آية المنافق ثلاث...

الآن لندخل في لُب الموضوع، ظاهر منتشرة وهي انتقاء الشرع! نعم انتقاء ما يُعجب الإنسان من الشرع وما يوافق هواه! وإذا رأى ما لا يوافق هواه أعرض بل وقدح فيه بشكل مباشر أو من تحت السِتار!

كمثال: حينما نرى سلسلة تتحدث عن حفظ النفس وحرمة قتلها رداً للمجرمين من يستحلون دماء النساء- وهو بالأكيد حق-، ترى التصفيق والموافقة ونعم هذا ديننا!

ثم نرى سلسلة عن حرمة الشذوذ، آفة من آفات العصر ونصح وتوضيح لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، فهنا يختلف، فهو لا يوافق هوى هذا الإنسان، فيتنكر ويهاجم ويستعمل الأسلحة الحداثية الغربية: يا هوموفوبيك، يارجعي، يامتخلف.

أليس من حرم النفس هو من حرم الشذوذ بل وذكره في ٩ سور؟

أم في قلوبهم مرضٌ؟ كيف تكون مؤمناً ببعض الكتاب وتكفر ببعض؟

مثال أخر: أشاهد شخص يتحدث عن حق المرأة في النفقة ولو كانت غنية، فاصفق.

ثم أشاهد أخر يأمر بالحجاب فأوقف التصفيق وأبدأ بسرد الجمُل الليبرالية والاعتباطية والمغلفة بالعزة بالإثم مثل: مالك دخل، البسه إنت، هذه حرية شخصية.

مرة ثانية؛ أليس من شرع حق النفقة هو من شرع الحجاب؟

طيب..وصف الله حال هؤلاء بدقة في سورة النور بدقة تقشعر منها الأبدان لتطابقها على كثير اليوم!


{وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ (٤٧)  وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ (٤٨)  وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ (٤٩)  أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ (٥٠)  إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (٥١)  وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ}[النور:٤٧-٥٢].

تأمل ثم إرجع وتأمل مجدداً! "إن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين" أليس كما وصفت؟

ماذا قال الله عن حالتهم؟في قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يظلمهم الله؟ قل لي بربك أليس هذا تماماً ما يقال اليوم كثيراً بأن الشرع ظالم؟سواءً بالصراحة أو الابطان! الله سبحانه يقول {إنَّ اللَّهَ لا يَظلِمُ النّاسَ شَيئًا وَلكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهُم يَظلِمون} [يونس:٤٤]

أن تؤمن ببعض وتكفر ببعض، أن تعتقد أن حكم الله الذي له الملك الخالق البارئ العزيز الجبار اللطيف ظالم!، وحكم الإنسان الضعيف الذي لم يكن شيئاً مذكوراً من مني يمنى أفضل!!

فأين الإسلام والإيمان؟ أليس هذا ناقض صريح للإسلام؟

وفي نفس الآيات يرينا الله موقف المؤمنين {إِنَّما كانَ قَولَ المُؤمِنينَ إِذا دُعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أَن يَقولوا سَمِعنا وَأَطَعنا وَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ} [النور: ٥١]

الذين كفروا من أهل الكتاب هم الذين يقولون {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}[البقرة:٩٣] التي هي بالضبط عرفت حكم الله لكنّي أود العصيان، وفوق هذا ليس العصيان مع الاعتقاد بالتقصير والذنب وطلب المغفرة والهداية، بل التعدي على حدود الله وقدحها {أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهديهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرونَ} [الجاثية: ٢٣]

شيء مؤلم وبشع أشاهده يومياً نسأل الله السلامة والعافية والهدى لنا جميعاً.

الوقت يجري والدنيا لحظة، فلننقذ أنفسنا قبل أن يأتي يوم لا تغني فيه نفسٌ عن نفسٍ شيئاً.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإنسانوية.. مركزية الطاغوت المتأنسن.

الاستحقاق.. قف وعد إلى الأرض!

عندما أحياني الله.